يقول المولى سبحانه وتعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلف ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود}... (فاطر : 27).
ما أعظم كمال وقدرة المولى سبحانه وتعالى في وصف بديع خلقه، فقد خلق الله الجبال مختلفة الألوان من بيض وحمر وأسود غرابيب أى (شديد السواد) فوضع لنا القرآن بإعجازه العلمي سراً من أسرار علوم الجيولوجيا وأطلعنا على أنواع الجبال ومهد لنا مجال البحث في هذا العلم حيث يقوم علماء الجيولوجيا بتصنيف الجبال تبعاً للصخور التي تغلب على تركيبها إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
•جبال رسوبية طبقية وهي المشار إليها في الآية بـ (جدد بيض).
•جبال قاعدية متبلورة وهي المشار إليها في الآية بـ (وحمر مختلف ألوانها).
•جبال بركانية نارية وهي المشار إليها في الآية بـ (غرابيب سود) (جدد بيض) وهي صفة للجبال الرسوبية التي تكونت بفعل ترسيب الطبقات (معنى الجدد).
ونذكر أيضاً من المعاني اللفظية لكلمة (جدد) الوارد ذكرها في الآية الكريمة معنى الشئ المتجدد ويستدل العلماء على هذا الرأى بأن جبال الجليد الهائلة المتجمدة منذ ملايين السنيين تشكل90% من الماء المخزون في كوكب الأرض، أيضاً (الجدد) بمعنى الغنى ويفسر العلماء هذا بأن جبال المعادن النفيسة والرخام والأحجار الكريمة ذات الألوان المختلفة تعد من مصادر الثروة للبشر.
ويقول علماء الجيولوجيا أنها تتجدد ببطء مع مرور الزمن على الرغم مما ي ؤخذ منها عن طريق العوامل الطبيعية أو ما تأخذه أيدي الإنسان فكلما استنزفت قمم هذه الجبال ترتفع جذورها من الأعماق فتعوض (أى تجدد) ما استنزف منها وهي (بيض) لأن اللون الغالب على هذه الجبال هو الأبيض حيث أن صخورها تنتمي إلى عائلة الصخور الجرانيتية التي تتكون أساساً من معادن المرو الأبيض اللون ومعادن آخرى مختلفة في ألوانها ودرجاتها مثل الفلسبار البوتاسي المقارب إلى اللون الأحمر والبايوتايت الذي يتراوح بين الأصفر والبني المائل إلى الحمرة والعسلي.
لذا نجد إختلاف الألوان ودرجاتها في الجبل (وحمر مختلف ألوانها) يفسر العلماء اللون الأحمر لهذه الجبال التي ورد ذكرها في الآية الكريمة نتيجة لشيوع عنصر الحديد فيها، وهو الذي يتأكسد فيظهر الصخر بلون أحمر ويصاحب الحديد معادن أخرى كالنحاس والرصاص وتختلف نسبة وجود هذه المعادن لذلك يظهر اللون الأحمر بدرجات متفاوتة.
(غرابيب سود) الغرابيب السود هي الجبال النارية (البركانية) غير المتبلورة حيث يشيع اللون الأسود عليها لأن البازلت وهو صخر ناري أسود اللون يغلب على تكوين هذه الجبال ويتكون بفعل تجمد الأفا.
وهي المادة المنصهرة التي تخرج من فواهات البراكين، ربط الله سبحانه وتعالى بين إختلاف ألوان الثمار وإختلاف ألوان الجبال في الآية الكريمة ورغم غرابة هذا الإرتباط إلا أنه يبدو طبيعياً من جانب الدراسة العلمية للألوان، فسبحان الله الذي أبدع كل شئ بكلمات موجزة معبرة عن المعجزات خلق الله، وصف الله الجبال بمعنى آخر هو: {لم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً}... (النبأ 6، 7).
وهذا لما تحتويه الجبال في باطن الأرض من امتداد لها لتثبيت القشرو الأرضية بها فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت سطح القشرة الأرضية وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقة نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية وهذا معنى ما جاء في سورة النبأ. {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}.. (لقمان10).
ولعل من ينظر إلى الجبال على سطح الأرض لا يرى هذا الشكل الوتدي أو الذي يشبه المرساة وإنما يرى كتلاً بارزة ترتفع فوق سطح الأرض، فلا يمكن لأحد أن يعرف هذا الشكل الوتدي إلا إذا رأى جزءها الغائر في الصهير البركاني وكان من المستحيل لأحد من البشر أن يتصور شيئاً من ذلك.
إن ورود هذه الحقائق في آيات القرآن الكريم يؤكد بأنه لا يحتوي على تحريف ولا هو من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعمون. الحقيقة المدفونة في باطن الأرض قبل معرفة الناس بها بثلاثة عشر قرناً.