صندوق الدنيا
بقلم : أحمـد بهجـت
عيد الأم
خرجت حواء من ضلع آدم, وخرج آدم بعد ذلك من بطن حواء, وجاء آدم الأول من نفخة الحق في التراب, وولد عيسي من غير أب, كما جاء آدم من غير أم أو أب, ولقد تحول التراب إلي معجزة بعد نفخ الروح فيه, كما جاء ميلاد النوع الإنساني بعد ذلك آيات تشير إلي القدرة الخالقة.
والأمومة آية من آيات الله في الكون, مثلما أن الأمومة نبع لاستمرار الحياة في الأرض, وهذه آية أخري.
ولا يستطيع الرجل مهما أوتي من خيال وقدرة علي التصور أن يعرف حقيقة الأمومة في حبها, كما يستحيل عليه بعد ذلك أن يعرف حقيقة علاقة الأم بأبنائها.
إن حب الأب لأبنائه يأخذ شكلا يختلف عن شكل الأمومة حين تحب, إن الأب يريد من أبنائه أشياء, أما الأم فتعطي دون أن تنتظر حتي نجاح الأبناء.
والأصل في الحب أنه عبء ثقيل ومسئولية متكررة, والأصل فيه أنه عطاء وأخذ, هو علاقة بين طرفين, هو حوار تنمو فيه المشاعر, يصدق هذا علي معظم أنواع الحب باستثناء حب الأم لأبنائها, إن العبء يتحول إلي هدية, والمسئولية تصير سعادة كبري, والعطاء لا ينتظر الأخذ, وليس هناك حوار بين أم تحمل طفلها الرضيع وبرغم انعدام الحوار هنا فنحن أمام أقوي أنواع الحب البشري.
نحن أمام أسرار مدهشة تزداد عمقا كلما أوغلنا في البحر.. صحيح أن أهم عنصر من عناصر الحب ـ وهو الحوارـ لا يقوم بين الطفل الرضيع وأمه.. برغم ذلك يحدثنا علماء النفس أن أول صورة تنطبع في عقل الطفل عن الجمال البشري هي صورة أمه, وربما قضي رجال كثيرون حياتهم بحثا عن نساء يشبهن أمهاتهم حين كانوا أطفالا, ونحن نعرف الآن من تجاربنا في الأرض أن الإنسان حين يحب بإخلاص يصير ضعيفا أمام من يحبه, ويصير من يحبه أقدر علي جرحه لو أراد.. من هنا أوصي الله تعالي الأبناء أن يخفضوا جناح الذل للآباء, واعتبر الله تعالي أن هذا الذل ليس ذلا وإنما هو عين الرحمة, كما أنه أمر الأبناء ألا يقولوا أف للآباء, إن مجرد التأفف أمام الأباء قد يجرح الآباء جرحا لا يدري الأبناء عمقه أو مرارته